ما شهدته فيينا خلال الاجتماع الموعود للدول الموقعة على الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأميركي منه، جاء على إيقاع تهديدين واحد أميركي لكل من يحاول المتاجرة مع إيران يختصره ما قاله المبعوث الأميركي الخاص حول إيران بريان هوك مخاطباً الأوروبيين، عليكم أن تختاروا بين واشنطن وطهران، وتهديد إيراني بخروج وشيك من موجبات الاتفاق النووي، يتم الاستعداد لتطبيق مفاعيله، عبر عنه الكلام الإيراني عن الصبر الذي نفد وعن رفض التطبيق الأحادي دون شركاء للاتفاق النووي لأكثر من سنة ونيّف كانت كافية لسائر الشركاء لإثبات شراكتهم، وجاءت النتيجة بالإعلان عن تفعيل فوري للآلية الأوروبية المالية البديلة للسويفت الذي تفادت عبره إيران العقوبات قبل الاتفاق النووي والذي سيطرت عليه أميركا مع انسحابها من الاتفاق.
الآلية التقنية للسداد المسماة أينستيكس ، تقوم على صيغة تعامل مالي باليورو، تبيع بموجبها إيران نفطها لأوروبا، وتسدّد بموجبها اوروبا ثمن البضائع التي تشتريها إيران كحكومة وشركات للسوق الأوروبية، على أن تسدد ما يتبقى لإيران من مستحقات مالية في نهاية كل فترة تقاص بين ثلاثة شهور وستة شهور. ورغم أن الآلية تلحظ كبداية أن تبيع الشركات الأوروبية لإيران منتجات غذائية وطبية، فإن إيران وافقت شرط تفعيل الآلية لأنه ما لم يكن لدى إيران ما تشتريه مقابل كل نفطها المباع فإنها ستحصل على تدفقات نقدية باليورو، هي القضية المهمة في نهاية المطاف. وكان التفاوض الإيراني الأوروبي لا يدور حول الآلية، بل حول كمية النفط التي يمكن ان تستوعبها، فيما كانت إيران تصرّ على الكمية التي سبقت العقوبات والانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي كان الأوربيون يعرضون تقريباً نصف الكمية فقط ويقولون إن ذلك مجرد بداية يمكن أن تتطوّر، وتوقفت المفاوضات هنا، بين نصف مليون برميل يومياً تطلب إيران ضمان شرائها وربع مليون برميل يومياً تعرضها اوروبا.
ما دار في محادثات الرئيسين الفرنسي والإيراني عشية اجتماع فيينا أعاد تأكيد الخلاف على الكمية رغم الاتفاق على المبدأ، لكن المفاجأة كانت لأوروبا في فيينا بأن الصين أعلنت نيتها الانضمام إلى الآلية الأوروبية، بحيث تحتضن الآلية تمويل الكمية التي تشتريها الصين والتي أكدت عزمها على العودة لمواصلة شرائها بعد توقفها لشهرين عن الشراء والدفع واستبدالها بالمقايضة، وتشكل هذه الكمية النسبة الأهم من مبيعات إيران النفطية فهي تقريباً ثلث مبيعات إيران بقرابة ستمئة وخمسين ألف برميل يومياً، ومثلها قال الروس إنهم سيكونون شريكاً في الآلية، وقد سبق لروسيا أن أسست شركات أوف شور محمية بمرسوم رئاسي من العقوبات، مهمتها شراء وإعادة بيع النفط الإيراني كمساهمة في حماية الاتفاق النووي.
ما جرى عملياً هو أن روسيا والصين وإيران، وقد خاضوا المواجهة على حافة الهاوية تحت عنوان إسقاط التزامات إيران بالاتفاق النووي، نجحوا بجلب أوروبا إلى نقطة أوروبية، تقول لسنا واشنطن ولسنا طهران، فمصلحة أوروبا بأن يبقى الاتفاق النووي لأن واشنطن لا تملك بديلاً له إذا سقط، ولا تملك خريطة طريق لمنع امتلاك إيران للسلاح النووي، وهو ما تقوله واشنطن عن هدفها من الانسحاب من الاتفاق، وسقوط الاتفاق يعني دفع إيران نحو امتلاك ما يكفي للجلوس على مقعد حاملي الأسلحة النووية ولو لم تقم بتصنيعه وبلغت الجهوزية اللازمة للتصنيع، كما يعني دفع السوق النفطية للاشتعال من دون امتلاك وصفة إطفاء، ومع تقديم أوروبا للمنصة المالية للتبادل مع إيران لم يعد مهماً حجم التعامل الأوروبي وفقاً لهذه الآلية بقدر ما يهمّ وجودها، وستجد الشركات الأوروبية أن كل ما تتردّد ببيعه لإيران ستقوم الصين ببيع ما يعادله من منتجاتها، مقابل شراء النفط الإيراني وتحويل المال بواسطة الآلية الأوروبية.
انتصار روسي صيني إيراني ستتبلور ملامحه بصورة أوضح مع الأيام المقبلة عندما يجتمع وزراء الخارجية لتفاهمات فيينا، ويضعون النقاط على الحروف، وفقاً لما قاله معاون وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف، عن أن إنقاذ الاتفاق النووي قد تم فعلياً.
ناصر قنديل